دبي - العربية.نت، القاهرة- مصطفى سليمان، بيروت - وكالات
أكدت والدة الشاب المصري الذي سحلته قرية لبنانية حتى الموت، محمد سليم مسلم، أنها قضت ١٠ ساعات محتجزة داخل منزلها وهي تسمع مواطني البلدة يصرخون مطالبين بقتل ابنها، موضحة أنها وبعد علمها بهدوء الوضع وتخليص قوات الجيش للجثة من أيدى الأهالي استأجرت سيارة نقل ونقلت أمتعتها هاربة إلى بلدة تبعد ١٥٠ كيلومتراً عن منطقة الحادث.
وقالت الأم، وهي مصرية: يوم الحادث كنت بمنزل ابنتي بقرية "كترمايا"، وعلمت بتفاصيل الواقعة ولم أستطع النزول إلى الشارع خوفاً من بطش الأهالي والاعتداء عليّ"، وأضافت في حديثها لجريدة "المصري اليوم" أن لديها ٤ أبناء من زوجها اللبناني يحملون الجنسية اللبنانية، وجميع علاقاتها وتعاملاتها جيدة مع الشعب اللبناني، خاصة أنها مقيمة في البلد منذ أكثر من ٣٠ سنة، منوهة بأن "العجوز الذي تم اتهام ابني بقتله، هو جارنا منذ سنوات عديدة"، وأن محمد بعد حضوره إلى لبنان تعرف إليه وكان يداوم على مساعدته وإحضار متطلباته من الخارج، خاصة أن العجوز لا يستطيع الخروج لكبر سنه.
وحول الفتاة وقصة الحب التي ارتبط بها ابنها، قالت إنه أخبرها منذ شهر تقريباً أنه مرتبط مع فتاة جارتنا بقصة حب وأنه طلب منها الذهاب إلى أهلها للزواج منها، لكننا علمنا بعدها أن الفتاة تعرضت لظروف ومشاكل خاصة، لكن ابني أصر على الزواج منها، وعندما ذهبنا إلى منزلهم فوجئنا بالفتاة ترفض الزواج في الوقت الحالي بسبب حالتها النفسية السيئة، وطلبت التأجيل لفترة حتى يتم الانتهاء من آثار هذه المشاكل.
من جانبه قال الأب إن ابنه عاش مع عمته وتعرض لحادث بينما كان في الرابعة من عمره، حيث سقط على رأسه، وتسبب الحادث في تهشم عظام الرأس، وتولت علاجه حتى تم شفاؤه، ولكن هذا الحادث أثر فيه، حيث "كان يصاب بحالة هياج عقلي، ولكن سرعان ما أن يفيق من هذه الحالة ويقوم بالاعتذار لكل من تسبب له بأذى".
وأضاف الأب أن والدة ابنه استدعته منذ شهرين، للسفر إلى لبنان، وأرسلت له أخوه غير الشقيق إبراهيم، وهو لبناني، إلى القاهرة، وقام بإنهاء جميع الأوراق الخاصة بسفر محمد إلى لبنان "ليعيش حياة كريمة هناك"، وفق ما نقل موقع "أخبار مصر" التابع لاتحاد الإذاعة والتلفزيون الرسمي.
كما نقل الموقع نفسه عن عمة القتيل أنه "كان لا يقوم بأي أفعال مخلة، ولكنه كان يتعاطى المخدرات"، وأضافت أنه "كان يشكو إليها دائماً سوء معاملة زوج أمه، كما قال إنه يعمل مع زوج أخته جزاراً في لبنان، وكان مقبلاً علي مشروع للزواج".
من جانب آخر، كشف مصدر أمني بجهاز الأمن الداخلي اللبناني عن أن جهة التحقيق لم تفلح في الحصول على أي اعترافات من المشتبه فيه محمد سليم، لافتا إلى أن والدة الفتاتين اللتين تم قتلهما أصرت على اتهام أحد الأشخاص الذي سبق أن هددها بقتلهما، وذكرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية أن مصدراً أمنياً مطلعاً وضع احتمال أن تكون السكين التي تم العثور عليها في منزل الضحية، وجاءت الدماء فيها مطابقة لدماء إحدى الطفلتين، تم دسها في منزله من قبل مجهول استفاد بالقصاص المبكر من قبل الأهالي قبل ثبوت الإدانة أو من قبل شريك خفي في الجريمة.
وإلى ذلك، أعلن النائب المستقل في مجلس الشعب، مصطفى بكري، أنه تقدم بطلب إحاطة عاجل موجه إلى وزير الخارجية أحمد أبوالغيط، حول ما وصفها بـ"جريمة مكتملة الأركان"، معتبراً أنها تتضمن "إساءة للعلاقات التي تربط بين الشعبين المصري واللبناني".
كما وصف بكري المشاهد التي بثتها محطات التلفزيون ومواقع الانترنت لأحداث "كترمايا"، والتي تضمنت قيام عشرات اللبنانيين بضرب الشاب المصري وقتله طعناً بالأسلحة البيضاء وسحله عبر الشوارع والتمثيل بجثته، ثم تعليقه على أحد أعمدة الإنارة عارياً والدماء تنزف منه، بأنها مشاهد "لا تمت للمشاعر الإنسانية بصلة"، كما اعتبرها تمثل "إهانة لكل المصريين، بل وتمثل اعتداءً على سيادة الدولة اللبنانية".
النائب العام يطلب التدخل قضائيا
من جهته، طلب النائب العام المصرى الأحد 2-5-2010 من وزارة الخارجية المصرية سرعة الافادة عما اذا كان لديها أية تفصيلات عن وقائع سحل الشاب محمد، وذلك لتدخل النيابة العامة المصرية قضائيا في التحقيقات حول هذه الوقائع.
وقال بيان صادر عن مكتب النائب العام وحصلت العربية نت على نسخة منه "أن النائب العام المصرى المستشار عبدالمجيد محمود أرسل خطابا رسميا الى وزارة الخارجية المصرية يطلب منها كل التفاصيل عن وقائع سحل المواطن المصرى وعما اذا كان قد أجريت تحقيقات قضائية فى هذه الوقائع من السلطات اللبنانية وما وصلت اليه هذه التحقيقات ، وذلك ليتسنى للنيابة العامة فى مصر النظر قانونا فى مدى اختصاصها بثمة وقائع تناولتها الجهات القضائية اللبنانية للتدخل حرصا على حماية أرواح ومصالح المصريين المقيمين بالخارج ".
وقال مصدر قضائى بالمكتب الفنى للنائب العام لـ"العربية.نت "أن النيابة المصرية يحق لها التدخل فى مثل هذه القضايا ، ولهذا أرسلنا الى الخارجية المصرية لنعرف تفاصيل الوقائع التى حدثت للشاب المصرى وفق الاتفاقيات القضائية والأمنية الموقعة بين مصر وشقيقاتها من الدول العربية ".
وعن دور النيابة المصرية فى هذه الوقائع وحدود تدخلها قال المصدر "ان هذا التدخل يتوقف على ما وصلت اليه تحقيقات الجهات اللبنانية فى هذه الواقعة"، مضيفا: "أن حماية حقوق المصريين فى الخارج من الجهات القضائية واجب النيابة العامة المصرية مثل جميع المصريين فى الداخل ، وأن النائب العام مهتم شخصيا بهذه الواقعة ".
التمثيل بالجثة
وقتل المصري مسلم (38 عاماً) الخميس الماضي بعد وصوله الى كترمايا (25 كلم جنوب شرق بيروت) لتمثيل الجريمة المتهم بها وهي قتل رجل وزوجته وحفيدتيهما. فقد قام مئات الأشخاص بإخراج الرجل بالقوة من سيارة الشرطة التي اقتادته الى المكان، بحسب لقطات صورت بالفيديو وبثتها محطات التلفزيون المحلية. وبعد تجريده من ملابسه باستئناء سرواله الداخلي وجرابيه، قام الحشد بطعنه وضربه ثم سحله، بحضور رجال الشرطة الذين وقفوا عاجزين.
وأظهرت لقطات أيضاً كيف قام الحشد بتعليق جثته التي كانت تنزف على عمود للكهرباء بحبل وقضيب حديدي لمدة حوالى نصف الساعة وسط هتاف وزغاريد النساء.
وبعد قتله على يد الأهالي، أظهرت نتائج تحاليل فحوص الحمض النووي التي أجرتها الشرطة القضائية أن الدماء التي وجدت على القميص المضبوطة في منزله مطابقة لدماء الضحية الجدة كوثر، فيما الدماء التي عثر عليها على نصل السكين مطابقة لدماء الضحية الطفلة زينة، بينما تعود آثار المزيج من عرق ودماء على قبضة السكين لمسلم نفسه.
وقال مسؤول أمني لبناني -طالباً عدم كشف هويته- إن المصري كان مشتبهاً في إقدامه على اغتصاب فتاة في الـ13 من عمرها في البلدة نفسها. وأضاف المصدر أنه توجه الى "(الجد القتيل) يوسف أبومرعي (75 عاماً) ليطلب منه التوسط لدى عائلة الفتاة للزواج منها"، إذ إن القانون اللبناني ينص على وقف الملاحقات بحق مرتكب جريمة الاغتصاب إذا تزوج ضحيته. لكن "الرجل السبعيني رفض، ما دفع محمد مسلم الى طعنه حتى الموت قبل أن يقتل زوجته كوثر (70 عاماً) وحفيدتيهما".
وزير العدل اللبناني: جريمة همجية
واتخذ مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي بحق الضباط المعنيين "إجراءات مسلكية بسبب ارتكابهم خطأ جسيماً في سوء تقدير الموقف الميداني ولعدم توفير الحماية اللازمة والكافية للمشتبه فيه في هذه الجريمة".
ووصف وزير العدل اللبناني إبراهيم نجار الجريمة بأنها "همجية". وقال "لا شيء في العالم يمكن أن يكون أساساً قانونياً لردة الفعل الجماعية التي حصلت، والتي ستنعكس سلباً على صورة لبنان في العالم، وستحطم ما تبقى من هيبة للقضاء والقانون والأمن في لبنان، وتعطي إشارات يرفضها العقل البشري".
وأضاف أن "السلطات القضائية تمتلك أسماء 10 أشخاص من الذين قاموا بهذه الجريمة البشعة".
وهيمنت عملية القتل على تغطية الصحف والبرامج الحوارية أمس الجمعة فعنونت صحيفة "لوريان لوجور" التي تصدر بالفرنسية "زمن الهمجية".
وعلقت صحيفة الأخبار أن "هذا العمل الوحشي لا مثيل له الا في دول تحكمها شريعة الغاب". وأضافت أن "حشداً من الناس قتل محمد سليم مسلم وقتلوا معه العدالة وهم يفاخرون بتحقيقها".
لكن لم يبد كثير من السكان المحليين شعوراً بالندم على قتل مسلم، في حين قال آخرون إن السلطات تتحمل بعض المسؤولية عن إرساله علناً في حراسة عدد قليل من أفراد الشرطة.
علماء الأزهر يطالبون بحدّ "القصاص"
وفي سياق متصل، أعلن عدد من علماء الأزهر رفضهم الشديد لجريمة التمثيل بجثة الشاب المصري، مؤكدين أن هذه الجريمة لا تتفق مع الشرائع السماوية، وهى محرمة بكل الأحوال وتستدعى تطبيق حد "القصاص" على من ارتكبها.
وأكد الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان السابق عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن هناك التزاماً دينياً لا خلاف عليه بالنهي عن "التمثيل بالجثث" احتراماً لكرامة الحياة وحكمة الموت، مشدداً على أن الإسلام حرم قطعياً التمثيل بجثث الموتى.
وقال أبوالمجد: "إن الدولة في عصرنا الحديث هي المكلفة بالقصاص، وهو عملية منظمة لا يمكن أن يتم تنفيذها بصورة عشوائية"، مشيراً إلى أنه لو ترك الأمر على حاله لاستمر الانتقام يقابله انتقام ورد فعل، ولأدى ذلك إلى انتشار الفوضى والظلم فى المجتمع. وأضاف أن أمر القصاص متروك للدولة، وبالتالي فإن من تورط في أي عمل من أعمال الانتقام يعتبر خارجاً عن آداب الإسلام.
وطالبت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، بضرورة "القصاص" ممن ارتكبوا جريمة التمثيل بجثة الشاب المصري في لبنان، مؤكدة أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم التمثيل حتى بـ"جثة الكلب العقور" في قوله: (إياكم والتمثيل بالجثة حتى وإن كان الكلب العقور).